الدروس
course cover
الدرس الثاني من دورة تمهير 300
28 Jul 2024
28 Jul 2024

2

0

0

course cover
تمهير 300

القسم الأول

الدرس الثاني من دورة تمهير 300
28 Jul 2024
28 Jul 2024

28 Jul 2024

2

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الثاني من دورة تمهير 300

مدير تمهير 1

#2

29 Sep 2024

المُعْرَبُ والمَبْنِيُّ(1)


يُشِيرُ إلى أنَّ الاسمَ يَنقسِمُ إلى قِسميْنِ:

أحدُهما المعرَبُ، وهو ما سَلِمَ من شَبَهِ الحروفِ.

والثاني: المبنيُّ وهو ما أَشْبَهَ الحروفَ، وهو المعنيُّ بقولِه: (لِشَبَهٍ مِنَ الحُرُوفِ مُدْنِي) أي: لشَبَهٍ مُقَرِّبٍ من الحروفِ، فَعِلَّةُ البناءِ مُنْحَصِرَةٌ عندَ المصنِّفِ رَحِمَه اللهُ تعالى في شَبَهِ الحرفِ، ثُمَّ نَوَّعَ المصنِّفُ وجوهَ الشَّبَهِ في البيتيْنِ اللذيْنِ بعدَ هذا البيتِ، وهذا قريبٌ مِن مذهَبِ أبي عليٍّ الفَارِسِيِّ؛ حيثُ جعَلَ البناءَ منحصِراً في شَبَهِ الحرفِ أو ما تَضَمَّنَ معناه، وقد نَصَّ سِيبَوَيْهِ رَحِمَه اللهُ على أنَّ عِلَّةَ البناءِ كُلَّها تَرْجِعُ إلى شَبَهِ الحرفِ، وممَّن ذَكَرَه ابنُ أبي الرَّبِيعِ(3)

ذكَرَ في هذين البيتيْنِ وُجُوهَ شَبَهِ الاسمِ بالحرفِ في أربعةِ مواضعَ:

فالأوَّلُ: شَبَهُه له في الوَضْعِ، كأنْ يكونَ الاسمُ موضوعاً على حرفٍ واحدٍ، كالتاءِ في ضَرَبْتُ، أو على حرفيْنِ، كـ(نا) في (أَكْرَمْنَا)، وإلى ذلك أشارَ بقولِه في (اسْمَي جِئْتَنَا)، فالتاءُ في جِئْتَنَا اسمٌ؛ لأنَّه فاعلٌ، وهو مبنيٌّ؛ لأنَّه أَشْبَهَ الحرفَ في الوضعِ في كونِهِ على حرفٍ واحدٍ، وكذلك (نا) اسمٌ؛ لأنَّها مفعولٌ، وهو مبنيٌّ لِشَبَهِهِ بالحرفِ في الوضعِ في كونِه على حرفيْنِ(6)

والثاني: شَبَهُ الاسمِ له في المعنَى، وهو قسمانِ: أحدُهما: ما أَشْبَهَ حرفاً موجوداً، والثاني: ما أَشْبَهَ حرفاً غيرَ موجودٍ، فمثالُ الأوَّلِ (متَى) فإنَّها مبنيَّةٌ؛ لِشَبَهِها الحرفَ في المعنى، فإنَّها تُسْتَعْمَلُ للاستفهامِ، نحوُ: (متَى تَقُومُ) وللشرطِ، نحوُ: (متَى تَقُمْ أَقُمْ)، وفي الحالتيْنِ هي مُشْبِهَةٌ لحرفٍ موجودٍ؛ لأنَّها في الاستفهامِ كالهمزةِ، وفي الشرطِ كإنْ, ومثالُ الثاني: (هنا)؛ فإنَّها مبنيَّةٌ لِشَبَهِها حرفاً كانَ يَنْبَغِي أنْ يُوضَعَ فلم يُوضَعْ.

وذلكَ لأنَّ الإشارةَ معنًى من المعاني، فحقُّها أنْ يُوضَعَ لها حرفٌ يَدُلُّ عليها، كما وَضَعُوا للنفيِ (ما) وللنهيِ (لا) وللتمنِّي (لَيْتَ) وللترَجِّي (لَعَلَّ)، ونحوَ ذلك، فبُنِيَتْ أسماءُ الإشارةِ لِشَبَهِها في المعنى حرفاً مُقَدَّراً(7)

والثالثُ: شَبَهُه له في النيابةِ عن الفعلِ وعدمِ التأثُّرِ بالعاملِ؛ وذلك كأسماءِ الأفعالِ، نحوِ: (دَرَاكِ زيداً) فدَرَاكِ مبنيٌّ؛ لِشَبَهِهِ بالحرفِ في كونِه يَعْمَلُ ولا يَعْمَلُ فيه غيرُه(7) كما أنَّ الحرفَ كذلك.

واحْتَرَزَ بقولِهِ: (بِلاَ تَأَثُّرٍ) عمَّا نابَ عن الفعلِ وهو متأثِّرٌ بالعاملِ، نحوِ: (ضَرباً زيداً) فإنَّه نائبٌ منابَ (اضْرِبْ) وليسَ بمبنيٍّ؛ لتَأَثُّرِهِ بالعاملِ؛ فإنَّه منصوبٌ بالفعلِ المحذوفِ، بخلافِ (دَرَاكِ) فإنَّه وإنْ كانَ نائباً عن (أَدْرِكْ) فليسَ متأثِّراً بالعاملِ.

وحاصلُ ما ذَكَرَهُ المصنِّفُ: أنَّ المصدرَ الموضوعَ موضعَ الفعلِ وأسماءَ الأفعالِ اشْتَرَكَا في النيابةِ مَنابَ الفعلِ، لكنَّ المصدرَ متأثِّرٌ بالعاملِ، فأُعْرِبَ لعدمِ مُشابَهَتِه الحرفَ، وأسماءَ الأفعالِ غيرُ متأثِّرَةٍ بالعاملِ فبُنِيَتْ لمُشَابَهَتِها الحرفَ في أنها نائِبَةٌ عن الفعلِ وغيرُ متأثِّرةٍ به.

وهذا الذي ذَكَرَه المصنِّفُ مبنيٌّ على أنَّ أسماءَ الأفعالِ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ، والمسألةُ خِلافِيَّةٌ(9) وسَنَذْكُرُ ذلكَ في بابِ أسماءِ الأفعالِ.

والرابِعُ: شَبَهُ الحرفِ في الافتقارِ اللازمِ، وإليه أشارَ بقولِه: (وكَافْتِقَارٍ أُصِّلاَ) وذلك كالأسماءِ الموصولةِ، نحوِ: (الذي) فإنَّها مفتقِرَةٌ في سائرِ أحوالِها إلى الصِّلَةِ، فأَشْبَهَتِ الحرفَ في مُلازمةِ الافتقارِ فبُنِيَتْ(10)

وحاصلُ البيتيْنِ: أنَّ البناءَ يكونُ في سِتَّةِ أبوابٍ: المُضْمَرَاتِ, وأسماءِ الشرطِ، وأسماءِ الاستفهامِ، وأسماءِ الإشارةِ، وأسماءِ الأفعالِ، والأسماءِ الموصولةِ.

يُرِيدُ: أنَّ المعربَ خلافُ المبنيِّ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ المبنيَّ ما أَشْبَهَ الحرفَ، فالمعربُ ما لم يُشْبِهِ الحرفَ، ويَنْقَسِمُ إلى صحيحٍ؛ وهو ما ليسَ آخِرُه حرفَ عِلَّةٍ كأرضٍ، وإلى مُعْتَلٍّ؛ وهو ما آخِرُه حرفُ عِلَّةٍ كسُمًا وسُماً - لغةٌ في الاسمِ، وفيه سِتُّ لغاتٍ: اسمٌ - بضمِّ الهمزةِ وكسرِها - وسُِمٌ - بضمِّ السينِ وكسرِها، وسُِما - بضمِّ السينِ وكسرِها أيضاً.

وينقَسِمُ المعرَبُ أيضاً إلى مُتَمَكِّنٍ أَمْكَنَ، وهو المنصرِفُ؛ كزَيْدٍ وعَمْرٍو، وإلى مُتَمَكِّنٍ غيرِ أَمْكَنَ، وهو غيرُ المُنْصَرِفِ، نحوُ: أحمدَ ومساجِدَ ومصابِيحَ، فغيرُ المتمكِّنِ هو المبنيُّ، والمتمكِّنُ هو المعرَبُ، وهو قسمانِ: مُتَمَكِّنٌ أَمْكَنُ، ومُتَمَكِّنٌ غيرُ أَمْكَنَ(12)


([1]) أي: هذا بابُ المُعْرَبِ والمبنيِّ، وإعرابُه ظاهِرٌ.

([2]) (والاسمُ) الواوُ للاستئنافِ، الاسمُ: مبتدأٌ أوَّلُ، (مِنْهُ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مقدَّمٌ، (مُعْرَبٌ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، والجملةُ مِنه ومِن خَبَرِه خبرُ المبتدأِ الأوَّلِ، (ومَبْنِي) مبتدأٌ، وخبرُه محذوفٌ، والتقديرُ (ومِنه مَبْنِي) ولا يَجُوزُ أنْ تَعْطِفَ قولَه: (مبنِي) على (مُعْرَبٌ)؛ لأنَّه يَسْتَلْزِمُ أنْ يكونَ المعنى أنَّ بعضَ الاسمِ معربٌ ومبنيٌّ في آنٍ واحدٍ، أو يَسْتَلْزِمُ أنَّ بعضَ الاسمِ معربٌ ومبنيٌّ، وبعضَه الآخرَ ليسَ بمعربٍ ولا مبنيٍّ، وهو قولٌ ضعيفٌ أَبَاهُ جمهورُ المُحَقِّقِينَ مِن النُّحاةِ، (لِشَبَهٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَبْنِي، أو مُتَعَلِّقٌ بخبرٍ محذوفٍ معَ مُبْتَدَئِه، والتقديرُ: (وبناؤُه ثابتٌ لِشَبَهٍ)، (مِن الحروفِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بشَبَهٍ أو بمُدْنِي، (مُدْنِي) نَعْتٌ لِشَبَهٍ، وتقديرُ البيتِ: والاسمُ بعضُه مُعْرَبٌ وبعضُه الآخرُ مبنيٌّ، وبناءُ ذلك المبنيِّ ثابتٌ لِشَبَهٍ مُدْنٍ له مِن الحرفِ، و(مُدْنِي): اسمُ فاعلٍ فِعْلُه أَدْنَى، تقولُ: أَدْنَيْتُ الشيءَ مِن الشيءِ، إذا قَرَّبْتَه مِنه، والياءُ فيه هنا ياءٌ زائدةٌ للإشباعِ، ولَيْسَتْ لامَ الكَلِمَةِ؛ لأنَّ ياءَ المنقوصِ المنكَّرِ غيرِ المنصوبِ تُحْذَفُ وُجُوباً.

وتَضَمَّنَ هذا البيتُ على هذا الإعرابِ والتفسيرِ قَضِيَّتَيْنِ:

الأُولَى: أنَّ الاسمَ مُنْحَصِرٌ في قِسْمَيْنِ؛ المعرَبِ والمبنيِّ.

والثانيةُ: أنَّ سببَ بناءِ المبنيِّ مِنه مُنْحَصِرٌ في شَبَهِهِ للحرفِ لا يَتَجَاوَزُه.

([3]) اعْلَمْ أنهم اخْتَلَفُوا في سببِ بناءِ بعضِ الأسماءِ: أهو شيءٌ واحدٌ يُوجَدُ في كلِّ مبنيٍّ مِنها، أو أشياءُ مُتَعَدِّدَةٌ يُوجَدُ واحدٌ مِنها في بعضِ أنواعِ المبنيَّاتِ وبعضٌ آخرُ في نوعٍ آخرَ، وهكذا؟ فذَهَبَ جماعةٌ إلى أنَّ السببَ مُتَعَدِّدٌ، وأنَّ مِن الأسبابِ مُشَابَهَةَ الاسمِ في المعنى للفعلِ المبنيِّ، ومثالُه ـ عندَ هؤلاء ـ من الاسمِ (نَزَالِ وهَيْهَاتَ) فإنَّهما لَمَّا أَشْبَهَا (انْزِلْ وبَعُدَ) في المعنى بُنِيَا، وهذا السببُ غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّه لو صَحَّ لَلَزِمَ بِناءُ نَحْوِ: (سُقْياً لكَ) و(ضَرْباً زَيْداً) فإنَّهما بمعنى فِعْلِ الأمرِ وهو مبنيٌّ.

وأيضاًً يَلْزَمُه إعرابُ نحوِ:(أُفٍّ) و(أَوَّهْ)، ونحوُهما من الأسماءِ التي تَدُلُّ على معنى الفعلِ المضارِعِ المُعْرَبِ، ولم يَقُلْ بذلك أحدٌ، وإنما العِلَّةُ التي مِن أَجْلِها بُنِيَ (نَزَالِ) و(شَتَّانَ) و(أَوَّهْ) وغيرُها مِن أسماءِ الأفعالِ هي مُشَابَهَتُها الحرفَ في كَوْنِها عاملةً في غَيْرِها غيرَ معمولةٍ لشيءٍ، ألاَ تَرَى أَنَّكَ إذَا قُلْتَ: نَزَالِ كانَ اسمَ فعلٍ مبنيًّا على الكسرِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، وكانَ له فاعلٌ هو ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، وهذا الفاعلُ هو المعمولُ لاسمِ الفعلِ، ولا يَكُونُ اسمُ الفعلِ أبداً مُتَأَثِّراً بعاملٍ يَعْمَلُ فيه، لا في لفظِه ولا في مَحَلِّهِ.

وقالَ قومٌ، مِنهم ابنُ الحاجِبِ: إنَّ مِن أسبابِ البناءِ عدمَ التركيبِ، وعليه تكونُ الأسماءُ قبلَ تَرْكِيبِها في الجُمَلِ مَبْنِيَّةً، وهو ظاهرُ الفسادِ، والصوابُ: أنَّ الأسماءَ قبلَ تَرْكِيبِها في الجُمَلِ لَيْسَتْ مُعْرَبَةً ولا مَبْنِيَّةً؛ لأنَّ الإعرابَ والبناءَ حُكمانِ مِن أحكامِ التراكيبِ، أَلاَ تَرَى أنهم يُعَرِّفُونَ الإعرابَ بأنه: أَثَرٌ ظاهرٌ أو مُقَدَّرٌ يَجْلُبُه العامِلُ، أو يُعَرِّفُونَه بأنه: تَغَيُّرُ أَوَاخِرِ الكَلِمَاتِ لاختلافِ العواملِ الداخلةِ عليها، والبناءُ ضِدُّه، فما لم يَكُنْ تَرِكيبٌ لا يَجُوزُ الحكمُ بإعرابِ الكَلِمَةِ ولا ببِنَائِها.

وقالَ آخَرُونَ: إنَّ مِن أسبابِ البناءِ أنْ يَجْتَمِعَ في الاسمِ ثلاثةُ أسبابٍ مِن موانعِ الصرفِ، وعَلَّلُوه بأنَّ السببيْنِ يَمْنَعَانِ مِن صَرْفِ الاسمِ، وليسَ بعدَ منعِ الصرفِ إلاَّ تَرْكُ الإعرابِ بالمَرَّةِ، ومَثَّلُوا لذلكَ بـ (حَذَامِ، وقَطَامِ) ونحوِهما، وادَّعَوْا أنَّ سببَ بناءِ هذا البابِ اجتماعُ العَلَمِيَّةِ والتأنيثِ، والعَدْلُ عن حَاذِمَةَ وقَاطِمَةَ، وهو فاسدٌ؛ فإنا وَجَدْنَا مِن الأسماءِ ما اجْتَمَعَ فيه خمسةُ أسبابٍ مِن موانعِ الصرفِ، وهو معَ ذلك مُعْرَبٌ، ومِثالُه (آذرَبِيجَانَ) فإنَّ فيه العَلَمِيَّةَ والتأنيثَ والعُجْمَةَ والتركيبَ وزيادةَ الألفِ والنونِ. وليسَ بناءُ حَذَامِ ونحوِه لِمَا ذَكَرُوه، بل لمضارعتِه في الهيئةِ نَزَالِ ونحوِه، ممَّا بُنِيَ لشَبَهِهِ بالحرفِ في نِيابتِه عن الفعلِ وعدمِ تأثُّرِهِ بالعاملِ.

وقالَ قومٌ مِنهم الذين ذَكَرَهم الشارِحُ: إنه لا عِلَّةَ للبناءِ إلاَّ مُشابهةُ الحرفِ، وهو رأيُ الحُذَّاقِ من النَّحْوِيِّينَ، كلُّ ما في الأمرِ أنَّ شَبَهَ الحرفِ على أنواعٍ.

([4]) (كالشَّبَهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وذلك كائنٌ كالشَّبَهِ (الوَضْعِيِّ) نعتُ للشَّبَهِ، (في اسْمَي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفِ صفةٍ للوضعيِّ، واسمَي مضافٌ و(جِئْتَنَا) قصَدَ لفظَه: مضافٌ إليه، (والمَعْنَوِيِّ) معطوفٌ على الوضعيِّ، (في مَتَى، وفي هُنا) جارَّانِ ومجرورانِ مُتَعَلِّقَانِ بمحذوفٍ نعتٍ للمعنويِّ، وتقديرُ البيتِ: والشَّبَهُ المُدْنِي من الحروفِ مثلُ الشَّبَهِ الوضعيِّ الكائنِ في الاسميْنِ الموجوديْنِ في قولِكَ: (جِئْتَنَا)، وهما تاءُ المخاطَبِ و(نا)، ومثلُ الشبهِ المعنويِّ الكائنِ في (مَتَى) الاستفهاميَّةِ والشرطيَّةِ، وفي (هنا) الإشاريَّةِ.

([5]) (وكنيابةٍ) الواوُ عاطفةٌ، والجارُّ والمجرورُ معطوفٌ على كالشَّبَهِ، (عن الفعلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بنيابةٍ (بلا تَأَثُّرٍ) الباءُ حرفُ جرٍّ، ولا اسمٌ بمعنى غيرِ مجرورٌ بالباءِ، وظَهَرَ إعرابُه على ما بعدَه بطريقِ العارِيَّةِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ نعتٍ لنيابةٍ، ولا مضافٌ وتَأَثُّرٍ مضافٌ إليه مجرورٌ بكسرةٍ مقدَّرةٍ على آخِرِه، مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتغالُ المحَلِّ بحركةِ العاريَّةِ التي يَقْتَضِيها ما قبلَه، (وكَافْتِقَارٍ) الواوُ حرفُ عطفٍ، والجارُّ والمجرورُ معطوفٌ على كَنِيَابَةٍ، (أُصِّلاَ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، والألفُ للإطلاقِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو، يَعُودُ على افتقارٍ، والجملةُ من الفعلِ ونائبِ الفاعلِ في محلِّ جرِّ نعتٍ لافتقارٍ، وتقديرُ البيتِ: ومثلُ النيابةِ عن الفعلِ في العملِ معَ أنه لا يَتَأَثَّرُ بالعاملِ، ومثلُ الافتقارِ المتأصِّلِ، والافتقارُ المتأصِّلُ هو الافتقارُ اللازمُ له، الذي لا يُفارِقُه في حالةٍ مِن حالاتِه.

([6]) الأصلُ في وضعِ الحرفِ أنْ يكونَ على حرفِ هِجاءٍ واحدٍ؛ كباءِ الجرِّ ولامِه وكافِه وفاءِ العطفِ وواوِه وألفِ الاستفهامِ وما شاكَلَ ذلك، أو على حَرْفَي هِجاءٍ ثانِيهما لَيِّنٌ؛ كلا وما النافيتيْنِ، والأصلُ في وضعِ الاسمِ أنْ يكونَ على ثلاثةِ أحرفٍ فصاعِداً، كما لا يُحْصَى مِن الأسماءِ، فما زادَ من حروفِ المعاني على حرفيْنِ من حروفِ الهجاءِ، مِثلُ: إنَّ ولَيْتَ وإلاَّ وثُمَّ ولعلَّ ولكِنَّ فهو خارجٌ عن الأصلِ في نوعِه، وما نَقَص من الأسماءِ عن ثلاثةِ الأحرفِ كتاءِ الفاعلِ ونا وأكثرِ الضمائرِ فهو خارجٌ عن الأصلِ في نوعِه، وما خرَجَ من الحروفِ عن الأصلِ في نوعِه قد أَشْبَهَ الأسماءَ، وما خَرَجَ مِن الأسماءِ عن الأصلِ في نوعِه أَشْبَهَ الحروفَ، وكِلا الشَّبَهَيْنِ راجعٌ إلى الوضعِ.

وكانَ ذلك يَقْتَضِي أنْ يَأْخُذَ المُشَبَّهُ حُكْمَ المُشَبَّهِ به في الموضعيْنِ، إلا أنهم أَعْطَوْا الاسمَ الذي يُشْبِهُ الحرفَ حُكْمَ الحرفِ، وهو البناءُ، ولم يُعْطُوا الحرفَ الذي أَشْبَهَ الاسمَ حُكْمَ الاسمِ، وهو الإعرابُ، لسببيْنِ:

أوَّلُهما: أنَّ الحرفَ حِينَ أَشْبَهَ الاسمَ قد أَشْبَهَه في شيءٍ لا يَخُصُّه وحدَه، فإنَّ الأصلَ في وضعِ الفعلِ أيضاًً أنْ يكونَ على ثلاثةِ أحرفٍ، بخلافِ الاسمِ الذي قد أَشْبَهَ الحرفَ، فإنَّه قد أَشْبَهَهُ في شيءٍ يَخُصُّه ولا يَتَجَاوَزُه إلى نوعٍ آخرَ من أنواعِ الكَلِمَةِ.

والسببُ الثاني: أنَّ الحرفَ لا يَحْتَاجُ في حالةٍ ما إلى الإعرابِ؛ لأنَّ الإعرابَ إنما يَحْتَاجُ إليه من أنواعِ الكَلِمَةِ ما يَقَعُ في مواقعَ متعدِّدةٍ من التراكيبِ بحيثُ لا يَتَمَيَّزُ بعضُها عن بعضٍ بغيرِ الإعرابِ، والحرفُ لا يَقَعُ في هذه المواقعِ المتعدِّدَةِ، فلم يَكُنْ ثَمَّةَ ما يَدْعُو إلى أنْ يَأْخُذَ حكمَ الاسمِ حينَ يُشْبِهُه، ومعنى هذا الكلامِ أنَّ في مُشابَهَةِ الحرفِ للاسمِ قد وُجِدَ المُقْتَضِي ولكن لم يَنْتَفِ المانعُ، فالمُقْتَضِي هو شَبَهُ الاسمِ، والمانعُ هو عدمُ تَوَارُدِ المعاني المختلفةِ عليه، وشرطُ تأثيرِ المُقْتَضِي أنْ يَنْتَفِيَ المانِعُ.

([7]) نَقَلَ ابنُ فَلاحٍ عن أبي عليٍّ الفارِسِيِّ أنَّ أسماءَ الإشارةِ مبنيَّةٌ؛ لأنَّها مِن حيثُ المعنَى أَشْبَهَتْ حَرفاً موجوداً، وهو ألِ العهديَّةُ؛ فإنَّها تُشِيرُ إلى معهودٍ بينَ المتكلِّمِ والمُخاطَبِ، ولمَّا كانَتِ الإشارةُ في هنا ونحوِها حِسِّيَّةً وفي ألِ العهديَّةِ ذِهْنِيَّةً لم يَرْتَضِ المُحَقِّقُونَ ذلك، وذَهَبُوا إلى ما ذَكَرَه الشارِحُ مِن أنَّ أسماءَ الإشارةِ بُنِيَتْ لِشَبَهِهَا في المعنَى حرفاً مقدَّراً.

ونظيرُ (هنا) فيما ذَكَرْنَاه (لَدَى)؛ فإنَّها دالَّةٌ على المُلاصَقَةِ والقُرْبِ زِيَادَةً على الظرفيَّةِ، والمُلاصقةُ والقُرْبُ من المعاني التي لم تَضَعِ العربُ لها حرفاً، وأيضاًً (ما) التعجبيَّةُ؛ فإنَّها دالَّةٌ على التعجُّبِ، ولم تَضَعِ العربُ للتعجُّبِ حرفاً، فيكونُ بناءُ كلِّ واحدٍ مِن هذين الاسميْنِ لشَبَهِهِ في المعنى حرفاً مقدَّراً. فافْهَمْ ذلك.

([8]) اسمُ الفعلِ ما دامَ مقصوداً معناه لا يَدْخُلُ عليه عاملٌ أصلاً، فَضْلاً عن أنْ يَعْمَلَ فيه، وعبارةُ الشارحِ كغيرِه تُوهِمُ أنَّ العواملَ قد تَدْخُلُ عليه ولكنَّها لا تُؤَثِّرُ فيه، فكانَ الأَوْلَى به أنْ يقولَ: (ولا يَدْخُلُ عليه عاملٌ أصلاً) بدلاً من قولِه: (ولا يَعْمَلُ فيه غيرُه)، وقولُنا: (ما دامَ مقصوداً منه معناه) نُرِيدُ به الإشارةَ إلى أنَّ اسمَ الفعلِ إذا لم يُقْصَدْ به معناهُ، بأنْ يُقْصَدَ لفظُه مثلاً ـ فإنَّ العاملَ قد يَدْخُلُ عليه، وذلكَ كما في قولِ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى المُزَنِيِّ:

فنَزَالِ في هذا البيتِ مقصودٌ بها اللفظُ؛ ولذلكَ وَقَعَتْ نائبَ فاعلٍ، فهي مرفوعةٌ بضمَّةٍ مقدَّرَةٍ على آخِرِها، مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتغالُ المَحَلِّ بحركةِ البناءِ الأصليِّ، ومِثْلُه قولُ زَيْدِ الخَيْلِ:

ونظيرُهما قولُ جُرَيْبَةَ الفَقْعَسِيِّ:

([9]) إذا قُلْتَ (هَيْهَاتَ زَيْدٌ) مثلاً فللعلماءِ في إعرابِه ثلاثةُ آراءٍ:

الأوَّلُ ـ وهو مَذْهَبُ الأَخْفَشِ، وهو الصحيحُ الذي رَجَّحَهُ جمهورُ علماءِ النحوِ ـ: أنَّ هَيْهَاتَ اسمُ فعلٍ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وزَيْدٌ: فاعلٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ، وهذا الرأيُ هو الذي عليه قولُ الناظمِ: إنَّ سببَ البناءِ في أسماءِ الأفعالِ كونُها نائبةً عن الفعلِ وغيرَ متأثِّرةٍ بعاملٍ؛ لا ملفوظٍ به ولا مقدَّرٍ.

والثاني ـ وهو رأيُ سِيبَوَيْهِ ـ: أنَّ هَيْهَاتَ مبتدأٌ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ رفعٍ، فهو متأثِّرٌ بعاملٍ معنويٍّ وهو الابتداءُ، وزيدٌ: فاعلٌ سَدَّ مَسَدَّ الخبرِ.

والثالثُ ـ وهو رأيُ المَازِنِيِّ ـ: أنَّ هيهاتَ مفعولٌ مُطْلَقٌ لفعلٍ محذوفٍ مِن معناه، وزَيْدٌ: فاعلٌ به، وكأنك قلتَ: بَعُدَ بُعْداً زيدٌ، فهو متأثِّرٌ بعاملٍ لفظيٍّ محذوفٍ من الكلامِ. ولا يَجْرِي كلامُ الناظمِ على واحدٍ من هذين القوليْنِ: الثاني والثالثِ، وعِلَّةُ بناءِ اسمِ الفعلِ على هذين القوليْنِ تَضَمُّنُ أغلبِ ألفاظِه ـ وهي الألفاظُ الدالَّةُ على الأمرِ منه ـ معنى لامِ الأمرِ، وسائِرُه محمولٌ عليه، يَعنِي أنَّ اسمَ الفعلِ، على هذين الرأييْنِ أَشْبَهَ الحرفَ شَبَهاً معنويًّا لا نِيابيًّا.

[10]) زادَ ابنُ مالكٍ في شَرْحِ الكافِيَةِ الكُبْرَى نوعاً خامساً سَمَّاه الشَّبَهَ الإهماليَّ، وفَسَّرَه بأنْ يُشْبِهَ الاسمُ الحرفَ في كونِه لا عاملاً ولا معمولاً.

ومَثَّلَ له بأوائلِ السُّوَرِ، نحوِ: (الم، ق، ص) وهذا جارٍ على القولِ بأنَّ فواتحَ السورِ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ لأنَّها من المُتشابِهِ الذي لا يُدْرَكُ معناه، وقيلَ: إنها في محَلِّ رفعٍ على أنها مُبتدأٌ خبرُه محذوفٌ، أو خبرٌ مبتدؤُه محذوفٌ، أو في محلِّ نصبٍ بفعلٍ مقدَّرٍ؛ كاقْرَأْ ونحوِه، أو في محلِّ جرٍّ بواوِ القَسَمِ المحذوفةِ، وجَعَلَ بعضُهم مِن هذا النوعِ الأسماءَ قبلَ التركيبِ، وأسماءَ الهِجاءِ المسرودةَ، وأسماءَ العددِ المسرودةَ، وزادَ ابنُ مالكٍ أيضاًً نوعاً سادساً سَمَّاهُ الشَّبَهَ اللفظيَّ، وهو: أنْ يكونَ لفظُ الاسمِ كلفظِ حرفٍ من حروفِ المعاني، وذلك مِثلُ (حاشَا) الاسميَّةِ؛ فإنَّها أَشْبَهَتْ (حاشَا) الحرفيَّةَ في اللفظِ.

واعْلَمْ أنه قد يَجْتَمِعُ في اسمٍ واحدٍ مبنيٍّ شَبَهَانِ فأكثرُ، ومِن ذلك المُضْمَرَاتُ؛ فإنَّ فيها الشَّبَهَ المعنويَّ؛ إذ التكلُّمُ والخِطابُ والغَيبةُ من المعاني التي تَتَأَدَّى بالحروفِ، وفيها الشَّبَهُ الافتقاريُّ؛ لأنَّ كلَّ ضميرٍ يَفْتَقِرُ افتقاراً متأصِّلاً إلى ما يُفَسِّرُه، وفيها الشَّبَهُ الوضعيُّ، فإنَّ أغلبَ الضمائرِ وُضِعَ على حرفٍ أو حرفيْنِ، وما زادَ في وَضْعِه على ذلك فمحمولٌ عليه؛ طَرْداً للبابِ على وَتِيرةٍ واحدةٍ، وقد نَصَّ على ذلكَ ابنُ مالكٍ في مَتْنِ (التَّسْهِيلِ).

([11]) (ومُعْرَبُ) مبتدأٌ، ومعربُ مضافٌ و(الأسماءِ) مضافٌ إليه، (مَا) اسمٌ موصولٌ في مَحَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، (قَدْ سَلِمَا) قد: حرفُ تحقيقٍ، وسَلِمَ: فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى ما، والجملةُ لا محلَّ لها من الإعرابِ صِلَةُ الموصولِ، والألفُ في (سَلِمَا) للإطلاقِ، (مِن شَبَهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: سَلِمَ، و(شَبَهِ) مضافٌ، و(الحرفِ) مضافٌ إليه، (كَأَرْضٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وذلك كائنٌ كأرضٍ، (وَسُمَا) الواوُ حرفُ عطفٍ، سُمَا: معطوفٌ على أرضٍ، مجرورٌ بكسرةٍ مقدَّرةٍ على آخِرِه منَعَ من ظُهُورِها التعذُّرُ، وهو ـ بضمِّ السينِ مقصوراً ـ إحدَى اللغاتِ في اسمٍ كما سَيَذْكُرُه الشارِحُ، ونظيرُه في الوزنِ هُدًى وعُلاً وتُقًى وضُحًا.

وههنا سؤالٌ، وهو أنَّ الناظمَ في ترجمةِ هذا البابِ بَدَأَ بالمعربِ وثنَّى بالمبنيِّ فقالَ: (المُعْرَبُ والمبنيُّ) وحينَ أرادَ التقسيمَ بَدَأَ بالمعربِ أيضاًً فقالَ: (والاسمُ منه معربٌ ومَبْنِي) ولكنَّه حينَ بَدَأَ في التفصيلِ وتعريفِ كلِّ واحدٍ مِنهما بَدَأَ بالمبنيِّ وأَخَّرَ المعربَ، فما وَجْهُهُ؟

والجوابُ عن ذلك: أنه بَدَأَ في الترجمةِ والتقسيمِ بالمعرَبِ؛ لكونِه أشرفَ من المبنيِّ؛ بسببِ كونِه هو الأصلَ في الأسماءِ، وبَدَأَ في التعريفِ بالمبنيِّ لكونِه منحصِراً، والمعربُ غيرُ منحصِرٍ، ألاَ تَرَى أنَّ خُلاصةَ الكلامِ في أسبابِ البناءِ قد أَنْتَجَتْ أنَّ المبنيَّ مِن الأسماءِ سِتَّةُ أبوابٍ ليسَ غيرُ؟!.

([12]) والمُتَمَكِّنُ الأمكنُ هو الذي يَدْخُلُهُ التنوينُ، إذَا خَلاَ مِن ألْ ومِن الإضافةِ، ويُجَرُّ بالكسرةِ، ويسمَّى المُنْصَرِفَ، والمُتَمَكِّنُ غيرُ الأمكنِ هو الذي لا يُنَوَّنُ، ولا يُجَرُّ بالكسرةِ إلاَّ إذا اقْتَرَنَ بألْ أو أُضِيفَ، ويُسَمَّى الاسمَ الذي لا يَنْصَرِفُ.